الجيل الجديد، بيروت، العدد 1، 3 -4 نيسان 1948
ضوء معرفي (389).
الجيل الجديد
ينهض في بلادنا اليوم جيل جديد من الناس له إلى الحياة والكون والفنّ نظرة فيها فكر جديد وشعور جديد، إنّه أمّة جديدة فتيّة تظهر في التاريخ من أمّة قديمة سقطت بعد نشوئها، وطواها تاريخ مفجع قرونًا عديدة، إنّه جيل جبّار مهمّته العظمى- رفع الحياة وفهم الكون وإنشاء الفنّ وتغيير وجه التاريخ.
وتنشأ هذه الجريدة، حاملة اسم الجيل الجديد، لتخدم الجيل الجديد ومهمّته العظمى وتعبّر عن رأيه ووجهة نظره وإرادته القويّة.
فليست هذه الجريدة الجديدة مطروحة على الناس- تتسكّع وتستجدي وتمالئ وتزهو بالباطل، بل هي جريدة تضرب بسيف الحقّ وتعلن الحقيقة الجديدة بقوّة الإيمان الجديد الذي يفلّ الحديد ويقطع الماس ويذلّل الجوهر الفرد ويسخّر زخمه ويضفر أكاليل الغار والورد لأبطال الحرّية والواجب والنظام والقوّة.
حيثما نشأت حياة جديدة قوية وقام جيل جديد فتيّ محقت حياة قديمة راهنة وسقط جيل قديم هرم.
إنّ المشكلة العظيمة التي تواجهها الأّمة هي مشكلة اختلاف حياتين وصراع جيلين.
يريد الجيل القديم من الجيل الجديد أن يسير على خططه وينظر إلى الحياة بنظّاراته فيراها أحقادًا ومخاوف ورياء وخداعًا وقعودًا وتسليمًا. يريد الجيل القديم من الجيل الجديد أن يحيا في الماضي ويطوق نفسه بأطواق نفسية الماضي.
أمّا الجيل الجديد ففي نظره تعبير قويّ عن الحياة الجديدة الجيدة. إنّه يرى الحياة إخلاصًا وشجاعة وصراحة وصدقًا ونصحًا وإقدامًا وإباء.
يخاف الجيل القديم أن يتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام مع الجيل الجديد فيصيح ويصخب كلّما رأى هذا الجيل يخطو إلى الأمام خطوات القوّة والثقة بالنفس والإيمان ويهجم عليه ويمسك بتلابيبه. ويحتقر الجيل الجديد المخاوف والأخطار فلا يثنيه عن عزمه ضجيج وصخب ويسير بخطوات ثابتة نحو أهداف حياته العليا جارًّا الجيل القديم المتعلّق بأذياله جرًّا.
إنّ القضية، حقًا، قضية تقرير مصير، وقد قرّر الجيل الجديد أن يكون مصيره التقدّم والمجد، وقد قرّر الجيل القديم التأخّر والذلّ.
في كلّ مسألة تظهر اليوم يظهر فيها وجهًا الجيلين المتناقضين، في كلّ ناحية من أنحاء الحياة الاجتماعية، في الاقتصاد، في السياسة، في الثقافة، في الروحية، في الفنّ، وفي كلّ شكل وكلّ مظهر من أشكال الحياة ومظاهرها.
في خمسة عشر عامًا من صراع مميت بين إرادة الحياة الجديدة الفاعلة وقوّة استمرار الحياة القديمة الفاقدة الفاعلية، انحسرت الشبهات وتبدّدت الشكوك، ورسخ اليقين ووضح المصير.
كلّ جيل قد قرّر مصيره – جيل جديد يرقى إلى ذروة المجد ليمدّ بصره مع أشعة الحقّ، وجيل قديم ينحدر إلى حضيض التسليم والهوان مسدلًا على عينيه صخب المخاوف والقنوط.
إننا نؤمن بمصير الجيل الجديد- مصير النصر والمجد”.