الجامعة العربية والسيادة القوميّة “الجيل الجديد”، بيروت، العدد 3 و4، 4 نيسان 1948
ضوء معرفي (388).
“… لا يمكن قبول نظرية الحكومة الشامية القائلة إنّ التنازل عن حقّ التعاقد يوازي حقّ التعاقد نفسه إلّا بقلب المنطق رأسًا على عقب. فالاقتراح يعطّل مبدأ السيادة القومية لأمم العالم العربي. ولا وجه لأخذ قول مذكّرة الحكومة الشامية أنّ الاقتراح لا يمسّ مبدأي السيادة والاستقلال والاعتراض على أساس الشكّ في صحّة إرادة الأمم، أي في صحّة تعبير العقود عن الإرادة القومية. وجوابًا على هذه الحجّة نقول- إمّا أنّ الحكومات تمثّل إرادة أمم العالم العربي تمثيلًا صحيحًا وإمّا أنّها لا تمثّلها. فإذا كان الأوّل وإرادات إحدى الدول عقد مخالفة أو معاهدة فيها مصالحها الرئيسية، كان الوقوف في وجه إرادتها حدًّا لسيادتها وتعطيلًا لإرادتها. وإذا كان الثاني فإنّ إلزام الأمم ارتباطات بواسطة حكومات لا تمثّلها تمثيلًا صحيحًا هو تكبيل لها، سواء أكان هذا التكبيل لمصلحة الجامعة العربية أو لمصلحة أيّة دولة من خارج العالم العربي. وهذا يعني تقرير مصير الأمّة من الخارج.
لا يمكن التسليم بأن مؤسّسة الجامعة العربية أدرى بحاجة كلّ أمّة ممثّلة فيها من الأمّة نفسها، إلّا على أساس اعتبار المؤسّسة المذكورة الممثّلة الصحيحة الكلّية لجميع الدول المشتركة فيها. وهذا يعني نزع السيادة القومية فعليًّا من كلّ أمّة من أمم العالم العربي ووضعها في مؤسّسة الجامعة العربية التي يسيطر فيها في الوقت الحاضر نفوذ السياسة المصرية وأغراضها.
المصيبة في اقتراح الحكومة الشامية هي في أنّه لا يميز بين المصالح المتبادلة والمصالح الموحّدة. إن مؤسّسة العالم العربي تضمّ اليوم مصالح متبادلة، لا مصالح موحّدة. ويجب أن ننتظر الوقت الذي تصير فيه المصالح موحّدة، إذا أمكن أن تصير، لقبول اقتراح مثل اقتراح الحكومة الشامية.
نعتقد أنّه يحسن بحكومة الشام إعادة النظر في اقتراحها وموقفها. ويحسن بالحكومة اللبنانية والحكومة العراقية والحكومة الأردنية درس الموضوع مليًّا من الوجهة القومية وحقّ السيادة قبل الإقدام على وضع إمضاءات تلزم شعوبها بما يعطّل حرّية تطوّرها ونموّها”.
Tag:الجيل الجديد, ضوء معرفي
الجامعة العربية والسيادة القوميّة “الجيل الجديد”، بيروت، العدد 3 و4، 4 نيسان 1948
ضوء معرفي (387).
“من مدّة وجيزة تقدّم رئيس الوزارة الشامية إلى مؤسّسة الجامعة العربية باقتراح مشروع خطير يلزم الدول السورية والعربية المشتركة في مؤسّسة الجامعة الامتناع عن مباشرة المفاوضات وتوقيع اتّفاقات إنترنسيونية الصفة إلّا بعد أن تنال موافقة مؤسّسة الجامعة العربية على ذلك.
تستهلّ الحكومة الشامية مشروعها بالقول: “إنّ جامعة الدول العربية قائمة على أساس وحدة مصالح الدول العربية في دعم استقلالها إلخ”. إنّ هذه العبارة التي تجعل المصالح وحدة لا متبادلة تخرج مؤسّسة الجامعة العربية عن كونها مؤسّسة لتنظيم جبهة مصالح أمم العالم العربي، وتجعلها مؤسّسة تشريعية وتنفيذية مركزية لمجموع دول العالم العربي التي تصبح في حكم “ولايات” متّحدة في دولة واحدة.
أمّا القرار الذي تقترح حكومة الدولة الشامية اتّخاذه في مجلس مؤسّسة الجامعة العربية فهو كما يلي:
“لا يجوز لدولة من دول الجامعة أن تدخل في مفاوضات مع دولة أجنبية تستهدف قبولها التزامات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية مالية إلّا بعد إعلام الجامعة رسميًّا برغبتها هذه. وليس لها أن توقّع اتّفاقية من هذا النوع إلّا بعد أن يقرّر مجلس الجامعة أنّ الالتزامات التي تحويها الاتّفاقية لا تتعارض مع مصالح الجامعة أو مصالح أحد أعضائها”.
يتّضح من هذا الاقتراح، الذي أصبح اليوم موضع بحث في مؤسّسة الجامعة العربية، ما يأتي:
أوّلًا: قبول الأمر المفعول الحاصل قبل اتّخاذ قرار في مؤسّسة الجامعة العربية بجميع التزاماته. فجميع دول العالم العربي التي عقدت معاهدات واتّفاقات تكون قد أمّنت مصالحها وعقودها مع الخارج، فلا يبقى إلّا الدول التي نشأت حديثًا كلبنان والشام وشرق الأردن تبتدئ حياتها السياسية من الآن فتحرم هذه الدول من المساواة مع الدول الأخرى المرتبطة بمعاهدات واتّفاقات إنترنسيونية بغير واسطة مؤسّسة الجامعة العربية. ولو أنّ الاقتراح اشتمل على نقض دول العالم جميع العهود والالتزامات وجعل العلاقات الإنترنسيونية بواسطة مجلس الجامعة العربية لكان الاقتراح قريبًا إلى العدل بقدر ما يكون قريبًا إلى الوهم.
ثانيًا: تعطيل السيادة القومية في جميع أمم العالم العربي ونقلها الفعلي إلى المجلس الإنترنسيوني في العالم العربي المسمّى “مجلس الجامعة العربية”. فتتحوّل برلمانات دول العالم العربي إلى مجالس ولايات للنظر في بعض المسائل الداخلية لا فيها كلّها، وتصبح الوزارات مجالس إدارية فقط أو في هذه المنزلة.
تقول مذكّرة الحكومة الشامية في مقدّمتها للاقتراح المذكور، إنّه “ليس في ذلك ما يمسّ بوجه من الوجوه مبدأي سيادة الدول واستقلالها”. فمعاهدات التحالف المعقودة أو التي يطلب عقدها مع الدول الأجنبية “أي الأجنبية عن دول العالم العربي” “تتضمّن من القيود المحدّدة لحرّية العمل أكثر ممّا يحويه قبول المبدأين المذكورين أعلاه”.
إنّ القول المتقدّم يحوي كلّ السطحية التي عولجت بها المسائل القومية في الدول السورية وفي دولة الشام بصورة خاصّة. إنّ هنالك فرقًا عظيمًا بين العقود التي لها دائمًا شروط ومدّات محدودة وتعقد بحرّية تامّة مطلقة، بين التنازل عن حقّ عقد العقود وحرّية التعاقد لهيئة تتّخذ شكل دولة منتدبة لتسيير سياسة الدول الواقعة تحت انتدابها.
يقال إنّ اقتراح حكومة الشام ناشئ عن أسباب في مقدّمتها المعاهدة العراقية- البريطانية التي أثارت ضجّة ولم تصدّق. إنّ حادث المعاهدة المذكورة لا يمكن أن يكون سببًا صحيحًا لاقتراح خطير من هذا النوع. وإنّ دولة ما بين النهرين لم تصدّق المعاهدة المذكورة ليس بسبب ضغط مجلس الجامعة العربية، بل بسبب رفض الشعب العراقي نفسه نصّها وبسبب تأثير الرأي العامّ السوري في جميع الدول والمناطق السورية التي أصبحت تدرك أن مصير ما بين النهرين لا ينفصل عن مصيرها العامّ الموحّد الذي يختلف شأنه شأن مصير كلّ أمّة أخرى من أمم العالم العربي في القارتين الأسيوية والإفريقية.
إنّ الخطر الذي تريد الحكومة الشامية أن تتجنّبه بواسطة مؤسّسة الجامعة العربية تتجنّبه بنهضتها ووعيها القومي.
وإنّ التضامن في العالم العربي يجب أن يخضع لتبادل المصالح بين أممه لا لتوحيد هذه المصالح توحيدًا استبداديًّا اعتباطيًّا يفيد بعض هذه الأمم ويضرّ البعض الآخر وتستفيد بعض الأمم فيه من أضرار البعض”.
Tag:الجيل الجديد