دعاوات وجاسوسية أجنبية النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية، بيرووت، المجلّد 1، العدد 7، 30 آذار 1948
ضوء معرفي (385).
“في أوّل خطاب رسمي ألقاه الزعيم في اجتماع عام للحزب السوري القومي الاجتماعي، وكان إلقاؤه في أوّل يونيو[حزيران] 1935، حذّر الزعيم القوميين الاجتماعيين من الدعاوات الناشطة، الألمانية والإيطالية وغيرها، التي كان الزعيم يشعر بوجودها ويراقب عملها.
انتهت الحرب العالمية الثانية بانكسار إيطالية الفاشستية وألمانية الاشتراكية القومية المعروفة بالريخ الثالث. والدعاوة الإنترناسيونية المنتصرة قالت إنّ السلام قد صار قضية الإنسانية وإنّ الحلفاء الإنكلوسكسون والصقالبة قد قضوا على الدعاوات الخبيثة.
الحقيقة أنّ السلام قد أصبح، وهو كان دائمًا، قضية المنتصرين الظافرين في كلّ العصور، لأنّ السلام في مثل هذه الحالة يعني دائمًا: احتفاظ المنتصرين بامتيازات انتصارهم، والعمل على توطيد الانتصار وتحقيق فوائده. فيكون التبشير بالسلام دعاوة صحيحة لمصلحة أصحاب الفوائد منه ضدّ مصلحة أصحاب الأضرار والخسارة وضدّ مصلحة جميع الذين يضغطهم السلم ويرهقهم ويحرمهم الأمر المفعول من حرّية السيادة ووسائل التقدّم.
إنّ الدعاوات الأجنبية لم تكن، في وطننا، مقتصرة على دولة أو بضع دول معيّنة، ولكنّ بعض الدول كان أسبق من بعض. فلا يمكننا القول إنّ الدعاوات الأجنبية المخيفة قد زالت بانكسار الريخ الألماني الثالث والدولة الإيطالية الفاشستية.
تتعرّض سورية الطبيعية كلّها اليوم لتيارات من الدعاوات الأجنبية شديدة وجامحة. وتصاحب هذه الدعاوات جاسوسية خبيثة، وقحة، ماكرة. وتصاحب الجاسوسية خيانة قومية، صفيقة، هازئة تأتي جميع ضروب الخيانة في الظلام وفي النور على السواء!
ليست الحالة اليوم، من حيث الدعاوات الأجنبية، أقلّ خطرًا على القضية القومية الاجتماعية ومصير الأمّة السورية ممّا كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية. وإنّ جميع الدلائل تدلّ على أنّ الدعاوات التي تتقدّم الآن الحرب العالمية الثالثة تشتدّ وتتّخذ شكلًا عنيفًا. وهي تمتدّ في جميع أنحاء سورية القومية الاجتماعية، فهنالك مكاتب الإذاعة ومؤسسّات العلم للتثقيف الدعاوي والجرائد والنشرات التي لا عداد لها.
وأهم من ذلك بكثير دوائر الاستخبارات والجاسوسية التي تجد في المواطنين الخالين من الوجدان القومي، المجرّدين من قضية تربط بها حياتهم، ومن الشعور الوطني، جيشًا من العمال لجبًا هو “القائمة الخامسة” بالمعنى الصحيح.
ويظهر أنّ عدد القوائم الخمس في وطننا ليس قليلًا، فهنالك القائمة الخامسة الروسية، والقائمة الخامسة البريطانية والقائمة الخامسة الأميركانية، والقائمة الخامسة الفرنسية والقائمة الخامسة التركية. وإنّ الباحث ليدهش من إحصاء عدد المواطنين الذين تهافتوا على مراكز الدعاوة والاستخبارات الأجنبية ليضعوا أنفسهم تحت تصرّفها وفي خدمتها، حتّى إنّ تلك المراكز اضطرّت لقفل أبوابها في وجه طلّاب الخدمة، وبعضها لجأ إلى غربلة وانتقاء الذين دخلوا في قائمتها!
إنّ نشاط الاستخبارات الأجنبية في وطننا يزداد يومًا بعد يوم، وهو يطرق كلّ باب، ويستعمل وسائط التعارف واللياقات الاجتماعية، ويتسلّل في جميع الأوساط والفئات. تطرق الجاسوسية الأجنبية اليوم أبواب الحزب القومي الاجتماعي، محاولة التسلّل إلى داخله واستعمال العدد الممكن من أعضائه، بطرق وأساليب متعدّدة، مغرية وخلّابة أحيانًا، ومن هذه الطرق، مثلًا، طلب المساعدة على محاربة الشيوعية أو المساعدة على محاربة الرأسمالية ونفوذ الدولار، إلخ.
تصل إلى دائرة مكافحة الجاسوسية في الحزب القومي الاجتماعي معلومات كثيرة، ومنها ما هو طريف، عن نشاط الاستخبارات الأجنبية ومحاولاتها في صفوف القوميين الاجتماعيين، وحيثما تنبّه لها القوميون الاجتماعيون ضبطت.
من تقارير أحد الرفقاء أنّه جاءه يومًا رجل أجنبي أعطى أوصافه وأراد أن يشتري شيئًا من محلّه ثمّ أخذ يجري حديثاً معه وينتقل من موضوع إلى موضوع إلى أن وصل إلى ذكر الأحزاب والحزب القومي الاجتماعي. فأطلعه الرفيق على أنّه ينتمي إلى هذا الحزب، فأظهر الرجل سرورًا بمعرفة هذا الأمر وأبدى إعجابه الشديد بالحزب، ثمّ أخذ يسأل عن قوّة الحزب وتوزّعها في الدويلات السورية وغير ذلك. ثمّ إنّ الأجنبي دعا الرفيق القومي الاجتماعي إلى تناول كأس مقبل معه فلبّى الرفيق الدعوة رغبة منه في استطلاع أمر الرجل فعلم منه جنسيته والمدَّة التي مضت على وجوده في سورية والعمل الذي يعمله ومعلومات أخرى.
رفيق آخر تعرّض لمحاولة أخرى من هذا النوع، ولكنّه تخلّص من الأجوبة وكلّف المستخبر أن يتّصل بمركز الحزب لأخذ المعلومات التي يبغيها!
إنّ عدد التقارير عن محاولات الجاسوسية الأجنبية ليس قليلًا. وكلّها تدلّ على نشاط شديد من جهات متقابلة وعلى محاولات إغراء كثيرة. وممّا لا شكّ فيه هو أنّه إذا كانت الجاسوسية الأجنبية تجد في القوميين الاجتماعيين سدًّا منيعًا ضدّ محاولاتها التي تزيد حالة اللّاقومية فسادًا فإنّ أعمالها أصابت نجاحًا عظيمًا في الأوساط اللّاقومية اجتماعية غير الشاعرة بمسؤولية عن مصير الأمّة والوطن.
إنّ القصد من هذا المقال هو إطلاع الرفقاء على تلك الناحية الخطرة من محاولات الإرادات الأجنبية في وطننا، وتحذيرهم من الوقوع فريسة للدعاوات الأجنبية، وضحيّة للجاسوسيات الأجنبية وإخبارهم أنّ عين القيادة القومية الاجتماعية العليا ساهرة على النهضة القومية الاجتماعية المقدسّة، وعلى مصلحة الأمّة السورية ومصيرها”.