مفهوم الزعامة
الزعامة فعل قيادة مستمرّة.
للألفاظ مداليلها، وتحديد المدلول طريق الوضوح، والوضوح طريق المعرفة الصحيحة، والمعرفة الصحيحة هي البوصلة الثابتة لولوج عالم الحقيقة. ناهيك بأنّ المداليل تأخذ أبعاد مضامينها من الحقول المعرفية المتنوّعة كالفلسفة والأدب والاقتصاد والاجتماع والعلوم الطبيعية وسواها، فلكلٍّ منها مدلوله اللصيق به والمتوافق مع شموليّته.
ولأنّ فلسفة سعادة، الفلسفة القوميّة الاجتماعيّة، قائمة على نظرة جديدة إلى الحياة والكون والفنّ، تجاوزت في شموليتها وحقيقة مضمونها كلّ النظرات والنظريات، فمن البديهيّ والطبيعي أن يكون لها مصطلحاتها المنبثقة عنها والمتوافقة مع حقيقتها، والتي شدّد سعادة على ضرورة الالتزام بها وعدم التهاون باستعمالاتها الملزمة:” “إنّ للنهضة السورية القومية الاجتماعية مصطلحاتها التي يجب على كلّ إدارة معرفتها أو توخّي هذه المعرفة والمحافظة عليها وتعميمها”. أنطون سعادة، 4 أيلول 1946.
ولسنا هنا في صدد دراسةٍ تتناول كلّ المصطلحات، بل نريد التصويب على مصطلحٍ أثار الكثير من التساؤلات منذ البداية التأسيسية، وما زال البعض يتناول مفهوم الزعامة انطلاقًا من خلفيّاتٍ متفاوتة، وأغراضٍ مختلفة، علمًا أنّ سعادة قد أماط اللثام عن حقيقة الزعامة، ومرتكزاتها الفكرية والدستوريّة؛ لكنّ الذين رهنوا أنفسهم للباطل أو أولئك القاصرين عن الفهم السليم أو حتّى أولئك الذين يستسهلون السطحيّ والدارج، هؤلاء جميعًا ما زالوا بعيدين عن ملامسة جوهر الزعامة في الفكر والدستور القوميين الاجتماعيين. ومن المنطقي، قبل الدخول في ماهيّة الزعامة القوميّة الاجتماعية، أن نسلّط الضوء على معنى “الزعيم” في اللغة العربية معجميًّا:
زَعيم: الجمع : زُعَماءُ
• الزَّعِيمُ : الرئيس
• الزَّعِيمُ : ضامن وكفيل
• الزعيم: الكفيل “وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ” ) فقهية ).
• زعيم القوم : رئيسهم . ( فقهية).
وفي التدقيق يمكننا أن نستنتج ملاحظتين:
الملاحظة الأولى المتعلّقة بمعنى الزعامة لغويًّا أنّها تفيد الرئاسة.
والملاحظة الثانية أنّها تأخذ مضمونها من الحقل المعرفي المستخدم؛ وهذا يتوافق مع ما مهّدنا له آنفًا.
وعليه فإنّنا ندخل مباشرةً إلى صلبِ المقصود هنا انطلاقًا من قاعدة جدّة وشموليّة النظرة القومية الاجتماعية التي تستتبع ربط كلّ المصطلحات والجزئيّات بها، وانطلاقًا من أنّ: ” مسألة الزعامة هي من أسس الحركة القومية ولا يمكن أن تبقى في غموض عند الأعضاء”. سعادة، (15/1/1942).
ومن الضروري والملزم في هذا السياق أن نورد ما جاء في مقدّمة الدستور حول الزعيم والزعامة: “تأسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي بموجب تعاقد بين صاحب الدعوة إلى القومية السورية الاجتماعية وبين المقبلين على الدعوة، على أن يكون واضع أسس النهضة السورية القومية الاجتماعية زعيم الحزب مدى حياته وعلى أن يكون معتنقو دعوته ومبادئه أعضاء في الحزب يدافعون عن قضيّته ويؤيّدون الزعيم تأييدًا مطلقًا في كلّ تشريعاته وإدارته الدستورية.
وفي قَسَم الزعامة ما يلي: “أنا أنطون سعادة أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أنّي أقف نفسي على أمّتي السوريّة ووطني سورية، عاملًا لحياتهما ورقيّهما،… وأن أتولّى زعامة الحزب السوري القومي الاجتماعي وأستعمل سلطة الزعامة وصلاحيّتها في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيّته وأن لا أستعمل سلطة الزعامة إلّا من أجل القضيّة القوميّة الاجتماعيّة ومصلحة الأمة…”.
إنّ نقطة الالتباس الأولى التي برزت عند كثيرين مّمن لم يتفقّهوا بالعقيدة القوميّة الاجتماعية، أو أولئك الذين غلّبوا الجزئيّات على الشمول، أو أولئك الذين حاصرتهم فرديّتهم ولم يتمكّنوا من الارتقاء إلى قمم النهضة القوميّة، فأسقطوا ما في نفوسهم على العقيدة، أو أولئك الذين لم تسمح لهم الظروف بالدرس المعمّق، أو أولئك الذين سلّوا سيوف النقمة والضغينة والحقد، إنّ نقطة الالتباس عند هؤلاء هي سلخ تعبير “مدى حياته” عن جسم العقيدة القوميّة الاجتماعية بشموليّتها، فتوهّموا أنّ حياة الزعيم هي حياة أنطون سعادة؛ ولأنّ سعادة استشهد فهذا يعني أنّ الزعيم استشهد كذلك؛ وبات من الضروري أن نستبدل لفظة الزعيم بأيّ تعبير يتناسب مع الحالة المستجدّة. وهنا لا بدّ من التوضيح أنّ لفظة الزعيم في المفهوم السوري القومي الاجتماعي تختلف عن سواها عند آخرين؛ فالزعيم هو المعبّر الأوحد عن إرادة الأمّة السوريّة وأمانيها القوميّة ” … واعتبار الزعيم الوحيد المعبّر عن إرادة الأمة السورية” سعادة (2/1/ 1941)، “… ويعدّون الزعيم المعبِّر الوحيد عن أماني سورية القومية”. ( 6/1/1940). “الكرامة القومية العامّة الممثّلة في شخص الزعيم وفي النظام القومي (15/1/1942).
“… الزعيم هو مؤسّس النهضة السورية القومية، ومعلّم القوميين الفلسفة والنظام القوميين، وقائدهم الأعلى الذي يجب عليهم [إظهار] الاحترام له والرجوع إلى حكمه وتدبيره في كلّ ما يتعلّق بالحركة السورية القومية من فكر وعمل في إدارة ونظام وقانون وسياسة ونظرات اجتماعية – اقتصادية – روحية، لأنّ هذا هو معنى الزعامة في الحركة السورية القومية”. ( 15/1/1942). “… ووجوب احترامه [الزعيم] كمعلّم وكقائد وكسلطة دستورية.) (15/1/1942).
فالزعيم هو معلّم وقائد، ناهيك بالسلطة الدستورية؛ وهذا هو المعنى الثابت للزعامة في المفهوم السوري القومي الاجتماعي، وبالتالي فالزعيم زعيمٌ مدى حياة الأمّة بما أعطى الأمّة من عقيدة ودستور وفلسفة ونظام؛ ولأنّ التعاليم قائمة وهي المعبّرة عن حقيقة الأمّة، والزعيم واضع التعاليم هو المعبّر الوحيد المعبّر عن إرادة وأماني وحقيقة الأمّة السوريّة، فهو حيّ ما دامت الحياة قائمة في أمتنا السوريّة. فالزعيم ليس شخصًا اسمه أنطون سعادة قضى بقضاء جسده، بل هو التعاليم، العقيدة التي أعطى وهي قائمة بقيام الأمة.
فلا يقعنّ أحدٌ من القوميين الاجتماعيين في فخّ البخّ من هنا أو هناك، أو في الانجرار وراء المفاهيم الدارجة الأكاديمية أو غير الأكاديمية، التي تبقى دون سموّ مفاهيمنا القومية. “.. فالزعيم بصلاحياته الدستورية هو ليدير ويعطي تعليمات ويقود ويسنّ قوانين وليحاسب المسؤولين، لأنّه المبايع على كلّ ذلك”.(15/1/1942). و”لأنّ صلاحية الزعيم غير محدودة”.(10 آذار 1946).
بهذا المفهوم القومي الاجتماعي يجب أن نفهم معنى الزعامة، ونكون على استعداد لمواجهة كلّ من يحاول التصويب عليها من زاويةٍ سلبية، ونضع النقاط على الحروف حين يعمل البعض على المسّ بالمصطلحات الدستورية، والتعابير الواردة فيها المتعلّقة بتشريعات الزعيم، من باب الاعتقاد أنّ ذلك من ضرورات التجديد والتعديل.
فلنبقَ نحن القوميين الاجتماعيين على مستوى ثقة الزعيم بنا جنودَ فكرٍ وجنودَ ميدان، لأنّنا الضمانة لانتصار الأمة على معوّقات نهوضها بقيادة زعيمها الأوحد معلّمنا وقائدنا.
في 12 كانون الأوّل 2019.
الرفيق نايف معتوق