حين يختلّ التوازن وتضيع البوصلة
كتب ر. نايف معتوق
——————————–
حين يختلّ التوازن وتضيع البوصلة
لا ينكرُ واقعَ ما نعاني منه في هلالنا السوريّ الخصيب وفي عالمنا العربيّ إلّا أعمى أو عمهٌ، ولا يخبط خبط عشواء في ابتداع الحلول إلّا من ضلّ السبيل وتاه عن سلوك طريق الواقع والحقيقة في مجاهل الأوهام يُضاف إلى هؤلاء وأولئك من استلذّ رسن العمالة المربوط إلى أنظمة متسلّطة مستقوية بقدراتها المادّية أو مجموعات خارجيّة لا تفهم إلّا ما يخدم مصالحها وأغراضها في تناغمٍ مع من يخطّط ويعمل على شلّ قدرات هلالنا السوريّ الخصيب وعالمنا العربيّ.
وفي هذا السياق، “أتحفتنا” بعض وسائل التواصل الاجتماعيّ بمؤتمر في المكسيك عقدته “الجامعة اللبنانيّة الثقافيّة في العالم بالتنسيق مع المركز اللبنانيّ في المكسيك” وتضمّن سلسلةً من المحاضرات لمناسبة “مئويّة لبنان الكبير” في 21 تشرين الثاني 2020.
وقد حضر اللقاء، إضافة إلى المنظَّم “البروفسور نبيه الشرتوني، مجموعة من المشاركين، لا يسمح المقام بذكر أسمائهم جميعًا، ولكن يكفي أن نذكر حضور بعض المسؤولين في الدولة اللبنانيّة كـ “سفير لبنان في المكسيك” سامي نمير وحضور مسؤولي “الجامعة من مختلف القارات”؛ ونائب رئيس المركز اللبنانيّ ميشال خوري، ناهيك ببعض رجال الدين كمطران الموارنة في كندا والمفتي الدكتور مالك الشعّار اللذين قدّما مداخلتين، وقد “ختمه الرئيس العالميّ للجامعة ستيفن ستانتن من سدني؛ وفي الختام صدر بيان ” وقّعه الرئيس ستانتن والذي سيُبلّغ للفعاليّات الاغترابيّة والوطنيّة، وخاصّة للأمين العام للأمم المتّحدة”.
لن نتناول البيان برمّته، على أهميّة ما فيه من نقاطٍ خطيرة تتعلّق بمصير لبنان، بل سنكتفي منه بما يشكّل “سُمًّا” زعافًا في دسم الادّعاء بالدفاع عن لبنان، وهو بالحقيقة فحيح الأفعى اليهوديّة المدعومة بالسلطة الأميركانيّة ومن يدور في فلكها من أنظمة خليجية وسواها؛ فبصمات دولة الاغتصاب باديةٌ بوضوح لكلّ ذي عيان. وهؤلاء جميعًا، ومعهم آخرون، يغيظهم ويقلقهم تنامي قدرة المقاومة في مواجهة عدوّنا الأوحد اليهوديّة العالميّة، والخوف من أن تسقط آمالهم في تثبيت هذا الكيان الذي جهدوا ويجهدون لتثبيت ديمومته. وبالتالي فإنّ حرصهم ليس على لبنان بل خوفًا من سقوط الكيان الغاصب المفتعل.
وممّا جاء في البيان، التأكيد على ما جرى في 17 تشرين الأوّل 2019 بأنّه “ثورة” “بوجه منظومة الفساد” التي “كان الاحتلال السوريّ عاملًا أساسيًّا في خلقها” و” استبدل الاحتلال السوريّ باحتلال إيراني أدهى، لأنّه مبطَّن، وتحت عناوين وطنيّة كالمقاومة لإسرائيل عبر أداته العسكريّة حزب الله”. و”لكي يتسنّى لإيران السيطرة على لبنان أوكلت لأذرعها حماية الفساد والفاسدين لبناء أكثريّة وهميّة عبر الانتخابات اللبنانيّة بحماية السلاح…”.
ومن المقرّرات التي أودها البيان:
“… أوّلًا: إنّ الجامعة اللبنانيّة الثقافيّة في العالم تعلن للبنانيين ولشعوب ودول العالم الحرّ رسميًّا أنّ لبنان محتلّ.
ثانيًا: …إنّ معركة تحرير لبنان قد بدأت، معركة سلميّة حضاريّة … لإنهاء الاحتلال”.
وممّا جاء في البيان كذلك: ” دعا موقّع البيان إلى تشكيل تحالف اغترابي لبناني لبدء التحرير الثاني” .
ولأنّ الواعين الذين يعرفون جيّدًا حقيقة ومصلحة أمتّهم فإنّهم لا ينخدعون بباطل يتزيّا بأجمل وجهٍ من وجوه الحقّ؛ فهم خارج الاستهداف هنا، بل يمكنهم أن يستعينوا ببعض المضمون لدحض ترّهات المخدوعين أو الغارقين حتّى آذانهم في مستنقعاتٍ آسنةٍ غطّت بروائحها الكريهة أيّ منفذٍ يمكن أن يشكّل احتمالَ إنقاذٍ لهم.
والحقيقة أنّ التركيز منصبٌّ على من في نفوسهم من جوهر الحياة، ولكنّه يتطلّب تحفيزًا لترسيخ ما هو حقيقة وحقّ كي لا يتجرّأ الباطل على المسّ بأصالتهم وتشويه صفاء هذه الأصالة. كما هو موجّه إلى أولئك الفارضين تسلّطهم على شعوبهم والذين صدئت داخليّتهم وتآكل ما بقي فيهم من فتات الإنسان، علّهم يفمون، ليس من أجل شعوبهم الذين لا يقدّرونهم حقّ قدرهم ، بل من أجل أن يعودوا إلى ذواتعم فيأخذوا العبر من التاريخ الذي ما رحم ظالمٍ أو متهوّرٍ أو متآمرٍ ولن يرحمهم. فاتّعظوا يا اولي الألباب قبل فوات الأوان.
لتعد إلى بعض ما جاء في البيان:
1_ إنّ الادّعاء بأنّ لبنان محتلّ من الإيرانيين بذراع حزب الله كان يمكن يوضَع على بساط البحث، لو أنّ جوقة المؤتمر سلّطت الضوء على مجمل الاحتلالات ولو بطريقة ما بالتورية أو بسواها، كاحتلال العدوّ اليهودي لمساحات كبيرة من لبنان، في السبعينيّات، وفي الثمانينيّات دنّست عاصمته بيروت ووضعت يدها على عدد من الوزارات والمؤسّسات العامّة والخاصّة وهدّمت المباني على رؤوس أصحابها وفرضت على نوّاب الشعب اللبنانيّ مساراتٍ تتناقض مع مصلحته بالقتل والتهديم والتهديد والوعيد والإغراء الفوقيّ وما إلى ذلك من الطرق والأساليب التي تشكّل علامة فارقة في المعتقدات والممارسات اليهوهيّة. لو أنّ المؤتمرين سردوا المسارات التي تعرّض لها لبنان خلال الفترة التي انتقوها بطريقة مقبولة لكانت إمكانيّة البحث فيها ممكنة؛ ولكنّ المسرود في البيان والنقاط الواردة فيه، في معظمه على الأقلّ، يكشف بوضوح الخلفيّة السيّئة التي لا يهمّها لبنان ومصلحته، بقدر ما هو منطلِقٌ من مسلّمات عدائيّة للشعب في لبنان، ومن خدمة واضحة لليهوديّة العالميّة ولكلّ من يدور في فلكها ويخدم أطماعها.
وهنا لا بدّ أن نسأل مَن هو هذا الموقِّع البيان في المكسيك ستيفن ستانتن والذي أخذ على عاتقه “تبليغ للفعاليّات الاغترابيّة والوطنيّة، وخاصّة للأمين العام للأمم المتّحدة” ؟ هل هذا هو اسمه الحقيقيّ، وما هي سيرة حياته، ولمصلحة من يعمل، أو من هو مشغّله؟ من حقّنا أن نسأل ذلك لأنّ الوقائع التاريخيّة تجعلنا نشكّ لا بل نتأكّد من مثل هذه الجماعات التي تشغّلها اليهوديّة العالمية، عبر يافطات تخدع السذّج والسطحيين ولكنّها تقف أمام صلابة المؤمنين بحقيقة أمّتهم وحقّها، وبات من المستحيل خدعهم بهذه الوسائل الملغومة.
كما لا بدّ أن نسأل ما العبرة من حضور مسؤولين لبنانيين من سفراء ورجال دين هذا الحفل المريب؟ هل تمّ ذلك بعلم الحكومة المركزيّة، وبعلم المرجعيات الدينيّة المسؤولة عنهم؟ أليس من حقّنا أن نوجّه تهمة التواطؤ لهؤلاء؟ علمًا، أنّه، في حدود معلوماتنا، لم يُسأل أيّ من هؤلاء عن مشاركته في هذا المؤتمر. لا بل يمكننا الاعتقاد إلى حدّ الجزم أنّ مرجعيّات هؤلاء لم تخجل يومًا من التصريح عن كثيرٍ من سوءات البيان في أكثر من مناسبة، كونهم ينتمون إلى هذه المنظومة التي تجدع أنفها نكايةً بوجهها، المنظومة التي لا يهمّها سوى الكيد لـ “حزب الله” ولكلّ من يرفع سيف القتال في وجه العدوّ الغاصب وحاميته السلطة الأميركانيّة، ومن هم في هذا المدار.
إنّ الشكّ بالعمل الاستثنائيّ الذي قامت وتقوم به المقاومة إن هو خير دليل وثبت على المنحى العدائيّ ضدّ مصلحة لبنان الحقيقيّة في مواجهة الكيان الغاصب؛ إنّ اللبنانيين الأصيلين، ومعهم كل أصيل في هلالنا السوريّ الخصيب، وفي عالمنا العربيّ لا بل في كل صقع من أصقاع الأرض، يرفعون الهامات كبرًا، ويفخرون باعتزاز بالإنجازات الخارقة التي حقّقتها المقاومة في لبنان ضدّ هذا العدو الغادر الغاصب، وقدّ أمّنت ما بات يعرف ب “معادلة الرعب”، التي وضعت حدًّا للغطرسة اليهودية، وجعلت العدوّ في دائرة الخشية الدائمة من أيّ عملٍ عسكريٍّ ضدّ لبنان.
إنّه لأمر معيبٌ ومدانٌ أن يتآمر بعضٌ، مهما كان عددهم، من اللبنانيين، تحت عناوين جذّابة شكلًا لكلّ من أضاع بوصلة صراعنا مع الكيان الغاصب؛ أن يتآمروا على الوطن ويضعوا أيديهم بأيدي أعداء البلاد لتحقيق أوهامٍ عمل اليهود عقودًا وقرونًا لها.
إنّ التآمر والانخداع والتواطوء ترهق أبناء الوطن خاصة ًفي هذه الظروف الموجعة والمتعبة، وقد شهدنا مثيلًا لها في الماضي وتجاوزناها، وسنتجاوزها مهما قست وطالت، ولن تكون النتيجة إلّا لصالح أمتنا ولن يكون أمر المتآمرين إلّا الخزي والعار والمذلّة والفناء.
لقد سيطر اليهود على فلسطين في الأجزاء المغتصبة، جرّاء العقليّات الرجعيّة التي لا تختلف عن مثل العقليّات الرجعيّة التي شاركت في المؤتمر بالحضور أو تلك التي شاركت عبر الإنترنت. فهل يريد المؤتمرون والمشاركون بأساليب الخزي والعار أن يضيع لبنان بالطريقة نفسها؟
-خسئوا!!! فالأوضاع تغيّرت لصالح تحرير الأمّة والنفسيّات والعقليّات خطا معظمها خطوات لا ترضي أعداء الأمّة وزبانياتهم. والإيمان بانتصار الشعب على أعدائه أقوى من أيّ تخلخلٍ أو تقهقرٍ أو انحدار.
إنّ من يستجيب لمخطّطات المتآمرين لا بدّ أن تكون قبور العار مكانهم في نهاية المطاف.
نقول لهؤلاء إنّ خلاص لبنان لم ولن يكون في مندرجات البيان الآنف، بل في وعي الشعب في لبنان وفي سائر الكيانات لحقيقة وجودهم، ولكونهم شعبًا واحدًا على أرضٍ واحدة، وفي عملهم الدؤوب من أجل ألّا يبقى على الأرض السوريّة عدوُّ غاصب أو عميل مقيت أو مهتزّ الولاء والانتماء بل وحدة بشرية هدفها استقلال سورية وعزها ومجدها.
وفي صدارة المواجهة، طرد اليهود من أرضنا، إذ “ليس لنا من عدوٍّ يقاتلنا في حقّنا وديننا ووطننا إلّا اليهود”. بهذا تكون صحة العمل لخير الشعب والوطن. وبهذا نحرّر لبنان من المؤتمرين المتآمرين وأمثالهم، ونضع حدًّا للأيدي الظاهرة والخفيّة التي تتلاعب بمصير البلاد والعباد.
هذه هي وجهة السير التي يجب أن يتّجه لها كل سوريّ، ويرمي جانبًا كلّ دغدغةٍ عاطفية تأتي من خارج هذا السياق، لأنّها لا تخدم إلّا القائمين بها لصالح مصالحهم وأغراضهم ومنافعهم ومخططاتهم المريبة والمشبوهة.
وبالمقابل فلن نرفض أيّ مساعدة تأتي في هذه الوجهة المحدّدة والواضحة شرط أن نبقى نحن أسياد موقفنا غير منقادين لأيّ كان.
فليتّعظ هؤلاء من مجريات التاريخ وليعودوا إلى رشدهم ويضعوا مصلحة أمّتهم فوق كلّ مصلحة فتنتصر الأمّة بجميع أبنائها على معرقلات نهوضها الداخليّة والخارجيّة، وتحقّق ثقة زعيمها بها، حرّيّةً وقوّة وواجبًا ونظامًا، ولا ينقصها شيء من هذه القيم؛ ففي جوهر الواعين من أبنائها “قوّة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ”.
في الأوّل من كانون الأوّل 2020
نايف معتوق