سقوط الولايات المتّحدة من عالم الإنسانيّة الأدبيّ
الأوّل من أيّار 1924.
“… إنّ موافقة الولايات المتّحدة على استعمار فرنسا لسورية ظلم مجّاني واعتداء على حرّية سورية وحقوقها لا مسوّغ لهما على الإطلاق، وعمل كهذا يُعدّ أقبح أنواع الظلم والاعتداء وليس من العجيب أن يسبّب سقوط الدولة الّتي تأتيه. ولكنّ العجيب الغريب أن تظلّ الولايات المتّحدة، بعد العمل المذكور الّذي أقبلت عليه، تتبجّح بديمقراطيتها وعدلها ونزاهتها، حاسبة أنّ العالم يقتنع بمجرّد الكلام الفارغ والادّعاء البعيد عن الحقيقة. ولكن يمكن الولايات المتّحدة أن تثق من أنّها ترتكب، بحسبانها هذا، خطأً فاضحًا، وتبيّن من عِيّ مخجِل. فالناس يفهمون جيّدًا أنّ مساعداتها المالية للأمم ليست عملًا إنسانيًا ما زالت تشترك في الاعتداء على حرّية تلك الأمم وحقوقها الطبيعية.
يجب على الولايات المتّحدة أن تفقه أنّها بموافقتها على استعمار سورية قد أساءت إلى هذه إساءة لا يمحوها بذل الدولارات، لأنّها إساءة تعمَّدت الولايات المتّحدة إتيانها دون أدنى مسوّغ بعد أن صرفت في درسها أشهرًا وسنينًا، وكان الأجدر أن تضعها جانبًا إذ لا حاجة لها بها، فكانت أبقت على تلك المنزلة السامية الّتي كانت لها ولرعاياها في قلوب السوريين والشرقيين والعالم. ولكن من أين لنا بمن يجعلها تصغي لصوت الحقّ وليقنعها بوجوب الإسراع إلى التكفير عن إساءتها؟
في الساعة الّتي أمضت الولايات المتّحدة صكّ المصادقة على استعمار فرنسا لسورية، مع ما تعلمه بما يحلّ بسورية من ويلات ذلك الاستعمار، أمضى التاريخ حكمه وسقطت الولايات المتّحدة سقوطًا أدبيًّا مخجلًا. وستظلّ الولايات المتّحدة ساقطة إلى يوم يغيّر فيه الأميركيون ما بأنفسهم.
ومهما يكن من الأمر فإنّ حادثة هذه المصادقة لطخة سوداء في تاريخ الولايات المتّحدة لا يزيلها منه شيء حتّى يزول التاريخ نفسه”.
أنطون سعادة