ماهيّة القوميّة
“القوميّةُ، إذن، هيَ يَقَظةُ الأمّةِ وَتَنَبُّهُهَا لوحدةِ حياتِها ولِشخصيّتِها ومُمَيّزاتِها ولوَحدةِ مصيرِها. إنّها عصبيّةُ الأمّة. وقد تَلْتَبِسُ أحيانًا بالوطنيّةِ الّتي هيَ محبّةُ الوطنِ، لأنّ الوطنيّةَ منَ القوميّةِ ولأنَّ الوطنَ أقوى عاملٍ منْ عواملِ نشوءِ الأمّةِ وأهمُّ عنصرٍ منْ عناصرِها. إنّها الوجدانُ العميقُ الحيُّ الفاهمُ الخيرَ العامَّ، المُولِّدُ محبّةَ الوطنِ والتَّعاونَ الدّاخليَّ بالنّظرِ لدفعِ الأخطارِ الّتي قد تُحدِقُ بالأمّةِ ولتوسيعِ موارِدِها، المُوجِدُ الشّعورَ بوَحدةِ المصالحِ الحيويّةِ والنّفسيّةِ، المُريدُ استمرارَ الحياةِ واستجادةَ الحياةِ بالتّعصّبِ لهذه الحياةِ الجامعةِ الّتي يَعني فلاحُها فلاحَ المجموعِ وخِذْلانُها خِذلانَهُ.
القوميّةُ هيَ الرّوحيّةُ الواحدةُ أو الشّعورُ الواحدُ المُنْبَثِقُ منَ الأمّةِ، منْ وَحدةِ الحياةِ في مجرى الزّمانِ. ليستِ القوميّةُ مُجرَّدَ عصبيّةٍ هوجاءَ أو نعرةٍ مُتولِّدَةٍ منِ اعتقاداتٍ أوّليّةٍ أو دينيّةٍ. إنّها ليستْ نوعًا منَ الطّوطميّةِ، أو نعرةً دمويّةً سلاليّةً، بل شعورٌ خفيٌّ صادقٌ وعواطفُ حيّةٌ وحنُوٌّ وثيقٌ على الحياةِ التي عَهِدَها الإنسانُ. إنّها عواملُ نفسيّةٌ مُنْبَثِقَةٌ مِنْ روابطِ الحياةِ الاجتماعيّةِ الموروثةِ والمعهودةِ، قد تَطغي عليها، في ضعفِ تَنَبُّهها، زعازعُ الدّعاواتِ والاعتقاداتِ السّياسيّةِ، ولكنَّها لا تَلبثُ أنْ تَستيقظَ في سكونِ اللّيلِ وساعاتِ التَّأمُلِ والنّجوى أو في خَطراتِ الإنسانِ في برّيّةِ وَطنِه أو متى تَذكّرَ برّيّةَ وَطَنِه”.
نشوء الأمم، الطبعة الثانية، دمشق1951، صفحة 180.
نشوء الأمم، طبعة 1994، صفحة 222.