أحزاب سياسية “الجيل الجديد”، العدد3، 7 نيسان 1948
ضوء معرفي (390).
“تطغى اليوم على لبنان وبقيّة البلاد السورية موجة سياسية شعبية هي موجة تعدّد الأحزاب التي تدعو إليها المساومات والتسويات المتعدّدة الرائجة في الشعب.
تعدّد الأحزاب في أمّة، ظاهرة تدلّ على إحدى حالتين اجتماعيتين-نفسيتين- سياسيتين- إمّا حالة البلبلة الناشئة من فقد القواعد القومية الصحيحة وفقد النظم الاجتماعية والسياسية والعسكرية مدّة طويلة من الزمن، كما هي الحال في سورية الطبيعية، وإمّا حالة انحلال أنظمة كانت قائمة، كما هي الحال في فرنسة وإيطالية وألمانية.
فقدت البلاد السورية كلّها نظامها الاجتماعي ونظامها العسكري ونظامها السياسي القديم. ومزّقتها، من الداخل، الحزبيات الدينية المتعدّدة وتدخّلت في مصيرها، من الخارج، الإرادات الأجنبية المتنوّعة والمختلفة. فكثرت القضايا وكثرت النظرات الجزئية والخصوصية إليها وكثرت الفئات الممكنة لكلّ قضية جزئية وكلّ مصلحة وقتية.
في حالة فقد النظم المتينة التي يقوم بها المجتمع مدّة طويلة، كما هي الحال في أمّتنا، ينشأ مظهر آخر من مظاهر الانحلال والفوضى، هو مظهر النزعة الفردية المصاحبة بعدم الشعور بالمسؤولية، إلّا تجاه النفس.
تجتمع جميع هذه العوامل فتكوّن طفرة سياسية. فيهجم الأفراد على قضايا المساومات والتسويات وتكثر الكتل السياسية. فيأخذ بعضها فكرة دينية معيّنة ويجد فئة تحبّذ تلك الفكرة. ويأخذ بعضها أمرًا مفعولًا معينًّا ويجد فئة لها مصلحة في ذلك الأمر المفعول.
ويأخذ بعضها لونًا أو زاوية من ألوان أو زوايا قضية أو موضوع معيّن وله اهتمام جادّ ويجد فئة تندفع له وهكذا دواليك.
ولا تقتصر هذه الحالة على الجماعات الشعبية، بل تتناول المجالس النيابية أيضًا فالنوّاب يطلبون التكتّل ضمن المجلس لأغراض شتّى. ويسمّون بعض التكتلات “معارضة” ويسمّون البعض الآخر “حكومية” ويسمّون غيرها “إصلاحية”.
نحن اليوم في لبنان وفي بقيّة البلاد السورية في زمن طفرة الأحزاب أو الطفرة السياسية بجميع أشكالها، التي منها اتّجاه أكيد واضح نحو امتهان السياسة. في دائرة واسعة من المتعلّمين غير المنظّمين في عقائد ومقاصد كبرى.
كلّ حامل شهادة محاماة أو شهادة طبّ أو شهادة أدب أو شهادة فلسفة أو شهادة هندسة أو أيّة شهادة أخرى ويرى الفوضى السياسية في هذه الأمّة يقف ويسأل نفسه قائلًا: “ها. إذا كان فلان الذي أعرف من هو وما هو، قد صار نائبًا وسيصير وزيرًا. فلماذا لا أكون أنا كذلك وأنا أجدر منه ولي من المعارف والأقارب من يؤازرني؟”.
في هذه الفوضى والنزعات الفردية تصبح السياسة غاية. فتوضع الجداول الفكرية والإصلاحية لتكون واسطة للسياسة. وتكثر الأحزاب الملوّحة للشعب بجداول “إصلاحها” لتزيد البلبلة والفوضى”
Tag:الجيل الجديد, ضوء معرفي