المبدأ الإصلاحي الخامس “إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن”
المحاضرة التاسعة
في 21 آذار 1948
موضوعنا اليوم المبدأ الإصلاحي الخامس “إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن”. نتابع الشرح المختصر لهذا المبدأ.
“إن تنازع موارد الحياة والتفوق بين الأمم هو عبارة عن عراك وتطاحن بين مصالح القوميات. ومصلحة الحياة لا يحميها في العراك سوى القوة، القوة بمظهرها المادي والنفسي (العقلي). والقوة النفسية، مهما بلغت من الكمال، هي أبداً محتاجة إلى القوة المادية، بل إن القوة المادية دليل قوة نفسية راقية. لذلك فإن الجيش وفضائل الجندية هي دعائم أساسية للدولة.
إن الحق القومي لا يكون حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوة الأمة. فالقوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره.
وإن ما نعنيه بالجيش هو جميع أقسامه البرية والبحرية والجوية، فإن الحرب التي ارتقى فنها ارتقاء كبيراً توجب أن يكون تأهبنا كبيراً.
الأمة السورية كلها يجب أن تصبح قوية مسلحة.
لقد اضطررنا إلى النظر بحزن إلى أجزاء من وطننا تسلخ عنه وتضم إلى أوطان أمم غريبة لأننا كنا فاقدين نظامنا الحربي وقوتنا الحربية إنّنا نريد أن لا نبقى في هذه الحالة من العجز. إننا نريد أن نحول جزرنا إلى مد نستعيد به كامل أرضنا وموارد حياتنا وقوتنا.
إن اعتمادنا في نيل حقوقنا والدفاع عن مصالحنا على قوتنا. نحن نستعد للثبات في تنازع البقاء والتفوق في الحياة وسيكون البقاء والتفوق نصيبنا”.
لقوة النفسية مهما بلغت من الكمال تبقى أبداً محتاجة إلى القوة المادية. القوة المادية دليل قوة نفسية راقية. لا يمكننا بالمنطق وحده، لا يمكننا بإظهار الحق مجرداً أن ننال الحق. لأن الإنسانية بالحقيقة ليست إنسانية واحدة.
في كتابي “نشوء الأمم” عرضت لهذه الناحية وأوضحت كيف أنه لا يوجد في العالم إنسانية واحدة بل إنسانيات. إنسانيات عددها عدد القوميات والأمم. لذلك فإن ما هو حق للبعض ليس حقاً للبعض الآخر لأن المصلحة في العراك هي في الأخير أساس الحق في كل معترك.
هذه هي الناحية العملية التي لا غنى عن مواجهتها. لا يمكننا أن نعتمد في فلسطين ــ لكي ننال حقنا ــ على إظهار هذا الحق مجرداً. يجب أن نعارك، يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً.
لذلك كان اتجاهنا نحو إنشاء قوة مادية تدعم قوتنا النفسية، قوتنا النفسية العظيمة أو الفكرية الشعورية، أمراً يدل على أننا نرفض قبول الحالات التي لا تطيقها نفوسنا الحرة الأبية. نرفض أن ننال أقل مما يكتبه الله أو يريده بالذين يعملون بالمواهب التي أعطاهم.
إذا كانت لنا طلبات ورغبات في الحياة يجب أن تكون لنا إرادة قادرة على تحقيق المطالب ويجب أن تكون لنا القوة اللازمة لتحقيق تلك المطالب.
لا يعني ذلك أنه يجب أن نجهل ونركب الجهل في رؤوسنا، أن نغتر بالقوة، لكنه يعني أيضاً، أن لا نجهل، إلى حد أن نحتقر القوة.
لا مفر لنا من التقدم إلى حمل أعباء الحياة إذا كنا نريد البقاء. فإذا رفضنا البقاء عطلنا الفكر والعقل. عطلنا الإرادة، عطلنا التمييز وأنزلنا قيمة الإنسان إلى قيمة الحيوان.
لذلك كان اهتمامنا بالقوة المادية ضرورياً ولازماً. إنه دليل على نوع نفسيتنا، نوع إدراكنا، نوع أهليتنا. إذا أغفلنا الناحية المادية أثبتنا أننا أغفلنا الناحية النفسية أيضاً.
إن العقل يستخدم المادة ويسيرها. فإذا ترك استخدام المادة وتسخيرها لأغراضه ترك موهبته وفاعليته الصحيحة وأصبح جامداً.
على أن عقليتنا ليست من العقليات الجامدة المسترسلة إلى قواعد وهمية لما هو الحق والسلام في العالم. يعني أن نفسيتنا تفهم الوضع وتفهم ما تريد من الوضع الماثل أمامها، وتعد العدة لإثبات حقها ولنيل مبتغاها في الحياة.
ولذلك نجد هذه العبارة الواضحة في النص “إن الحق القومي لا يكون حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوة الأمة. فالقوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره”.
ص 130 من الكتاب الألكتروني الدليل إلى العقيدة السورية القومية الإجتماعية