في 7 كانون الثاني- 1948المحاضرة الأولى
في 7 كانون الثاني 1948
كما سجلها الأمين جورج عبد المسيح
ما كاد الزعيم يبتدئ بإلقاء سلسلة الدروس في الندوة الثقافية, حتى تولد تيار فكري – روحي حرك أوساط النهضة القومية الاجتماعية وأوساط بيروت الثقافية. فبعد أن حضر المحاضرة الأولى نحو خمسة وسبعين شخصاً, ارتفع عدد الحضور في المحاضرة الثانية إلى نحو مائة وخمسين و في المحاضرة الثالثة إلى نحو ثلاث مئة واخر محاضرة ألقيت كان عدد الحضور فيها يبلغ حوالي ست مائة شخص. والإقبال من دور العلم وأوساط الثقافية من خارج نطاق الحركة القومية الأجتماعية يزداد كل أسبوع.
في أول اجتماع عقد في هذا المكان وكان مخصصاً للطلبة القوميين الاجتماعيين في الجامعة الأميركانية، وعدت الطلبة بإعادة النشاط الثقافي في الحزب القومي الاجتماعي بإعادة الندوة الثقافية التي كانت تأسست في الحزب قبل سفري واستمرت نحو سنتين، ثم تركت أعمالها بسبب الحرب والاعتقالات والمعارك السياسية التي تعرض الحزب لها.
في الاجتماع الأول المذكور أعلنت للرفقاء الطلبة أني أرى أن انتشار الحركة القومية الاجتماعية، في السنوات الأخيرة، كان مجرد انتشار أفقي، سطحي، يعرضها بقاؤها عليه للميعان والتفسخ والتفكك. ولذلك أرى الإسراع بإعادة الندوة الثقافية ودرس تعاليم النهضة القومية الاجتماعية والقضايا التي تتناولها ، ضرورة لا يمكن إغفالها.
أما الحضور إلى الندوة فيجب أن يعتبر، خصوصاً في الأوساط الثقافية، واجباً أولياً أساسياً في العمل للحركة القومية الاجتماعية، لأنه إذا لم نفهم أهداف الحركة وأسسها والقضايا والمسائل التي تواجهها لا نكون قادرين على فعل شيء في سبيل الحركة والعقيدة والغاية التي اجتمعنا لتحقيقها. فالمعرفة والفهم هما الضرورة الأساسية الأولى للعمل الذي نسعى إلى تحقيقه.
وإذا كنا نريد، فعلاً، تحقيق النهضة القومية الاجتماعية وتأسيس المجتمع الجديد بتعاليمها ودعائمها، كان الواجب الأول على كل قومي اجتماعي في الأوساط الثقافية، الاطلاع على الأمور الأساسية، وفي صدر وسائل الاطلاع والمعرفة الصحيحة ، الندوة الثقافية. فيجب أن نطبق نظامنا على اجتماعات الندوة الثقافية. وإذا كنا لا نقدر أن نطبق النظام في الأوساط المثقفة، اعترفنا بأن هذه الأوساط غير صالحة لحمل أعباء حركة فكرية ذات نظرة واضحة إلى الحياة وليست أهلاً للاضطلاع بعمل عظيم كالذي وضعناه نصب أعيننا، وهو إيجاد مجتمع جديد نير في هذه البلاد وإيصال هذه النظرة إلى كل مكان. يجب علينا أن نفهم هدفنا فهماً صحيحاً لنكون قوة فاعلة محققة ولكي نتمكن من العمل المنتج.
بعد الاطلاع يمكن تكوين رأي. وحينئذ لا يبقى مجال لحدوث بلبلة كما حدث في الماضي في غيابي وعلى أثر مجيئي وأخذي الأمور بالنقد والتحليل وأخذي التدابير للقضاء على الفوضى والانحرافات التي كانت آخذة في التفشي وتهديد مستقبل هذه النهضة العظيمة القائمة بالإيمان وآلام ألوف العاملين بإيمان وإخلاص. فلا بد من الاعتراف أنه كان في الدوائر العليا تفسخ في الأفكار والروحية وفي النظر إلى الحركة ومراميها.
ولكي لا نعود القهقرى يجب أن نكون مجتمعاً، واعياً، مدركاً، وهذا لا يتم إلا بالدرس المنظم والوعي الصحيح. إن محاضرة تشتمل على كل الأسس في الحركة القومية الاجتماعية لا تعطي النتيجة الثقافية المطلوبة، لأن الثقافة عمل طويل لا يمكن أن يتم برسالة واحدة أو كتاب واحد، و لأن الأمور تحتاج إلى تفصيل وتوضيح بالنسبة للمسائل التي نواجهها. علينا أن نفهم فلسفة الحركة لندرك كيف يمكن أن نعالج الأمور. في الاجتماع الأول للطلبة قلت شيئاً أريد أن أذكر الطلاب به وهو: عندما نقول نهضة نعني شيئاً واضحاً لا التباس فيه ولا مجال لتضارب التأويلات في صدده. النهضة لا تعني الاطلاع في مختلف نواح ثقافية متعددة وفي التيارات الفكرية الموزعة في هذه البلاد والتي جاءت مع بعض المدارس من انقلوسكسونية ولاتينية وغيرها، وإنها لا تعني مجرد الاطلاع والتكلم في المواضيع المتعددة أو المتضاربة بدون غاية وقصد ووضوح.
التكلم فيما نعرفه عن بعض الفلاسفة الغربيين أو المفكرين السياسيين الغربيين أو الذين اكتشفوا اكتشافات علمية لا يكفي ليكون نهضة منا نحن.
إن النهضة لها مدلول واضح عندنا وهو، خروجنا من التخبط والبلبلة والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد إلى عقيدة جلية صحيحة واضحة نشعر أنها تعبر عن جوهر نفسيتنا وشخصيتنا القومية الاجتماعية. إلى نظرة جلية ، قوية، إلى الحياة والعالم.
ص 4 من كتاب الدليل