محاضرة الزعيم في مؤتمر المدرّسين توجيه المدرسين
ضوء معرفي (414).
“النظام الجديد”، بيروت، المجلّد 1، العدد 5، تموز-آب 1948
“… لا يكون المربّي المنشِئ عاملًا بمناقبية الحرّية والواجب والنظام والقوة، حين ينزل بمهمّته العالية القيمة إلى درك مهنة كسبيّة للمعاش ويضحّي بأثمن قيم الحياة وبشرفه وحقيقته ومعتقده في سبيل معاش من مؤسّسة أجنبية أو رجعية يلقي كلّ همّه الكسبي عليه ويرتاح في كسله وقعوده عن المجد والعزّ، ويظهر بكلّ جلاء أن لا همّ له غير همّ المعاش وأنّ همّ المقاصد النبيلة في الحياة قد مات في قلبه من زمان فهو لا يراود نفسه في حلم، ولا يخطر له في بال. ولا يكون المعلّم القومي الاجتماعي معلّمًا حين يرى الأولاد تنحصر نفوسهم الصافية في قوالب الحياة الخالية من المعاني السامية وتتخبّط عقولهم في تيارات المناهج الغربية عن حقيقتهم وحقّهم، فلا يهمّه أن يراهم يتدهورون في مهاوي الانحلال القومي والمثالب النفسية، ولا يهمّه إلّا أن يقبض مرتّبه المعاشي لقاء تسميم نفوس الأحداث بالمناهج الفاسدة، كلّا، لا يكون المدرّس معلّمًا قوميًّا اجتماعيًّا صحيحًا إلا حين يرى مهمّته القومية الاجتماعية أعلى قدرًا في نفسه من مهنته الكسيبة. بهذا المقياس يجب أن يقيس المدرّس القومي الاجتماعي نفسه حين يحاول الإجابة على السؤال الذي طرحته، وهو: هل يفقه مهمّته الأساسية الخيرة؟ إنّ معركة التثقيف لا تزال في بدئها. إنّها جبهة من جبهات حرب العقائد الكبرى، إنها حربنا المقدسة.
إنّ قوّة الحزب السوري القومي الاجتماعي التي أحرزت كلّ الانتصارات الباهرة هي قوّته الروحية- قوّة نظامه العقدي. وإنّ الانتصار الأخير الذي أحرزناه آخر الصيف الماضي كان بفضل هذه القوّة. فقد اضمحلّ النظام العسكري الذي كنت قد أنشأته قبل سفري واختلّ النظام الإداري اختلاًلا واسًعا ولكنّ العقيدة الصحيحة هي التي أنقذت الموقف وجعلت من القوميين الاجتماعيين جنودًا يقاتلون تحت علم الزوبعة بترتيب أو بغير ترتيب. إنّ روح النهضة هو هذه القوّة الفاعلة الغالبة.
إذا كنّا قد اضطررنا إلى الحرب بغير ترتيب أحيانًا فإنّ من العجز أن نحسب الاضطرار قاعدة فتبقى بلا ترتيب: فالحرب بلا ترتيب ولا تخطيط هي حرب عمياء شديدة الخطر ولا يقدم عليها الخبير إلّا مكرهًا. ونحن لا نريد الحرب كرهًا، مفروضة علينا، بل مفروضة منا لإدراك الغاية التي نحارب في سبيل تحقيقها. وإذا كان عملنا يعني بناء مجتمع جديد فلا أخاله البناء يكون بلا نظام ولا ترتيب.
إن حرب العقائد التي أعلنّاها نحن، حين أعلنّا تعاليمنا السورية القومية الاجتماعية تتطلّب منّا جعل الثقافة في مقدّمة القضايا التي يجب أن نوليها اهتمامًا خاصًّا وأن نخطّط لها الخطط ونرتّب الصفوف. ولذلك رأيت جمع المختصّين في التدريس والتربية والتثقيف منّا في مؤتمر تدرس فيه مناهج التدريس في جميع المناطق السورية ويوضع فيه تصميم منهج التدريس والتثقيف السوري القومي الاجتماعي ورأيت أن يكون للمعلّمين القوميين الاجتماعيين مؤتمر سنوي يعقد كلّ سنة في فصل الصيف تقدّم في كلّ مؤتمر تقارير عن تطبيق المنهج السوري القومي الاجتاعي والنتائج الحاصلة وملاحظات واقتراحات ودراسات تفيد الغاية التي نتوخّاها وينتهي كلّ مؤتمر بوضع اقتراحات وإرشادات وتوصيات نهائية تتخذ على ضوء الدراسات والاقتراحات المقدّمة من أعضاء المؤتمر”.
Tag:ضوء معرفي, محاضرة الزعيم