
هل يوجد للجمهورية اللبنانية أساس اقتصادي صحيح ؟
إذا أدى الانفصال النقدي بين لبنان والشام إلى انفصال اقتصادي صحيح تام، فما مستقبل الجمهورية اللبنانية الاقتصادي وعلى أي أساس يقوم؟؟
سمعت بعض المتكلمين الذين يحسبون أنفسهم من الخبراء ويتكلمون بتواضع الخبراء، سمعت بعضهم يقول أن لبنان يستغني عن الشام بالمرة وأن أساس الاقتصاد فيه يمكن أن يقوم على مسألتين:
الأولى تحويل لبنان إلى وحدة اصطياف (سويسرانية) وتحويله من الجهة الأخرى إلى مرفأ حر للتجارة.
سألت الذي أعطاني هذه المبررات، وكلفته أن يريني كيف يمكن أن يحول مصيفاً واحداً من المصايف اللبنانية إلى مصيف سويسراني؟ مثلاً ضهور الشوير التي هي مصيف متقدم في مصايف لبنان. إذا أراد أن يحول هذا المصيف إلى طراز سويسراني. ما هو المشروع؟ وكم يحتاج من المال إلى تحقيقه؟ وكم نحتاج من الوقت؟ طلبت إليه أن يضع مشروعاً عملياً يصور فيه كيف سينقل ضهور الشوير من مصيف لبناني على مستوى الحالة في لبنان إلى مصيف على مستوى الحالة في سويسرا. وأن يبين كم يحتاج تحقيق هذا المشروع إلى مال ووقت، ومن أين يأتي بالمال؟ من رؤوس أموال أجنبية أو في البلاد؟ وما هي العائدات الحقيقية التي تحصل حالما يتم تحويله إلى مصيف سويسراني؟؟ ويمكنه أن يضع مشروعاً لتحويل كل المصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية، لكن يجب أن يضع بالأرقام من أين يأتي بالمال وكم المال اللازم لتحويلها إلى طراز حديث عصري؟ كم هي الأبنية التي يجب أن تزال من كل مصيف والطرق الحديثة التي يجب أن تشق والساحات والجنائن العمومية؟ ما هو الطراز الذي يجب أن يبني به البيوت والجنائن وكيف تسير الطرقات الخ الخ؟
ثم بعد ذلك نصل إلى نقطة أخرى وهي: هل بعد تحويل المصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية سينتقل كل الذين يذهبون إلى سويسرا إلى لبنان؟ إلى المصايف اللبنانية؟ هل صاحب هذا المشروع أعد مشروع اتفاق مع دول مثل بريطانية والولايات المتحدة وغيرها لإخضاع المصطافين ليذهبوا فقط إلى الاصطياف في لبنان؟
ثم إن مسألة تحويل المصايف لا تقتصر على مجرد تحويل الأبنية والشوارع. المسألة تتناول ناحية أخرى يميل الاقتصادي غير المتوسع النظر، إلى الاقتناع بالاستغناء عنها وهي الناحية الاجتماعية النفسية.
إن تحويل المصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية لا يتم في نظري بتحويل المظاهر من أبنية وطرقات. يقتضي تحويل نفسية الشعب في لبنان إلى نفسية شعب سويسراني.
فبأية مدة يقترح أصحاب مشروع ــ التحويل ــ ومن أين يأتون بالمال؟ وما هي النتائج الأكيدة وهل ستحدث الحرب المقبلة قبل أن يتم هذا التحويل أو بعده؟
أما المرفأ الحر فلست أرى فيه أي أساس اقتصادي لشعب ولا أي أساس اقتصادي لدولة.
إن مرفأ حراً في ظروف كظرفنا في الجمهورية اللبنانية يعني شيئاً واحداً هو تحويل لبنان إلى مستودعات للرسمال والإنتاج الأجنبي الذي لا يعطي الشعب في لبنان غير شيء قليل جداً مما كان يمكن أن يكون في غير هذه الحالة.
إن مسألة مرفأ حر مسألة تقتضي درساً طويلاً وتتطلب مسائل طويلة جداً. يجب أن لا يبت في هذه المسألة قبل النظر في كل التفاصيل المتعلقة بها.
وإذا حصلت القطيعة الاقتصادية بين لبنان والشام، أصبح هنالك أمر يجب مواجهته وهو الاقتصاد للشعب في لبنان وهل يمكن في حالة من هذا النوع أن يتكون في لبنان رسمال لبناني مستقل؟ وعلى أي شيء يجب أن يعمل هذا الرسمال؟ وماذا ينتج؟ وفي أية أسواق يمكن أن يبيع؟
إن تحويل المصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية إذا تمكن من جلب بعض المصطافين من أوروبة إلى لبنان فإنه يقطع المصطافين الذين يطلبون الاصطياف الرخيص. لأنه متى تحول الاصطياف في لبنان إلى اصطياف فخم صار الاصطياف غالياً لا يمكن المصطاف العادي أن يدفع مقابله.
كذلك من الوجهة الاقتصادية لا يمكن في حالة خطة اقتصادية أن ينشأ في لبنان معامل لا تنشأ في الشام أو غير أماكن لأنه في حالة القطيعة الاقتصادية لا يمكن للإنتاج اللبناني أن يبيع في الشام بحرية. ولا يوجد في لبنان موارد تستحق الذكر ليست موجودة إلا فيه، في هذه المنطقة اللبنانية، فإذا أنشئ معمل حرير مثلاً في لبنان ينشأ معامل حرير في الشام فأين يبيع لبنان في حالة القطيعة؟..
لا أعتقد أن الرسمال اللبناني يقدر أن يؤمن مناطق واسعة ويؤمن ويكتسح أسواقاً في الهند أو إيران أو غيرهما.
إذاً العملية الاقتصادية، الاقتصاد كموضوع لأمة ولشعب لا يمكن أن ينظر إليه إلا بالمنظار القومي بمنظار المجتمع الموحد، الأمة التي هي وحدة جماعة ووحدة أرض، وحدة اقتصاد.
نعود إلى الإنتاج بصرف النظر عن الأصول، عن الأحوال السياسية الاجتماعية.
“لأنه ما من عمل أو إنتاج في المجتمع إلا وهو عمل أو إنتاج مشترك أو تعاوني. فإذا ترك للفرد الرسمالي حرية مطلقة في التصرف بالعمل والإنتاج، كان لا بد من وقوع إجحاف بحق العمل وكثير من العمال. إن ثروة الأمة العامة يجب أن تخضع لمصلحة الأمة العامة وضبط الدولة القومية. لا يمكن تنمية موارد القوة والتقدم في الدولة إلى الحد الأعلى إلا بهذا المبدأ وهذه الطريقة”.
المحاضرة الثامنة في 14 أذار 1948
المبدأ الإصلاحي الرابع “إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة”.