تصريح المطران مبارك “الجيل الجديد”، بيروت، العدد1، 3 – 4 نيسان 1948
ضوء معرفي (386).
“أدلى سيادة المطران مبارك بتصريح سياسي إلى مراسل جريدة “النداء المصري” الأستاذ صلاح عبد المجيد. وقد نشرت أهمّ ما جاء فيه جريدة “النضال” البيروتية، في عددها الصادر بتاريخ 30 مارس[آذار] الماضي ونحن نستند، في هذا التعليق، على رواية الزميلة.
خلاصة تصريح سيادته أنّ عودة رجال الحكم في لبنان إليه في الانتخابات الأخيرة كان الفضل الأكبر فيها لسيادته وإليه يعود الفضل أيضًا في بقائهم أحياء. وأنّه لما رأى الانتخابات تمّت “في جوّ من التزوير” ويئس سيادته من الإصلاح “أعلن الحرب على الحكومة”. وأنّه يودّ أن يمدّ الله في أجَلَه ليرى أنّ الجنسية في لبنان حلّت محلّ الطائفية.
وأغرب ما في تصريح سيادة المطران مبارك أنّه أيّد الوطن القومي اليهودي في فلسطين بقصد مقاومة تكتّل المير عادل إرسلان وسماحة مفتي فلسطين وغيرهم “تكتّلًا محمّديًّا” وأنّه عندما عاد السيّد رياض الصلح من مصر وقبّح عملهم سكت سيادة المطران أي أنّه كفّ عن متابعة الحملة لتأييد الوطن القومي اليهودي.
وفي التصريح غرائب أخرى كتمنّي سيادة المطران الانفصال الاقتصادي التامّ عن الشام “لأنّ الاتّحاد يضرّ بمصالح لبنان”.
لم نقرأ تكذيبًا أو ردًّا من قبل سيادة المطران مبارك لما نشر منسوبًا إليه فاقتضى أن نعتبر التصريح موثوقًا فنعلّق عليه.
يقول سيادة المطران مبارك إنّ الفضل في عودة رجال الحكم في لبنان إلى الحكم يعود إليه في الدرجة الأولى ثمّ يقول إنّ الانتخابات النيابية كانت مزوّرة. فيستنتج من هذا القول أحد وجهين- إمّا أن تكون الانتخابات مزوّرة فيكون الحكام قد عادوا إلى الحكم من غير أيّ جميل من المطران مبارك. وإمّا أن يكون نفوذ المطران مبارك قد أكسبهم الأصوات اللّازمة لنجاحهم فلا تكون الانتخابات مزوّرة.
النتيجة لهذا التحليل أوّلًا أّن القسم الأوّل من تصريح المطران هو “تخبيص”. وليست هذه المرّة من المرّات النادرة، فليس قليلًا “تخبيص” المطران مبارك في خارج دائرة الدين التي كان يجب أن يلزمها من أجل ما يتمنّى أن يراه من انتفاء الطائفية وحلول القومية محلّها.
أمّا “حربه للحكومة” ففيه «تخبيص» آخر غير قليل- فمن جهة يقول المطران إنّه أنقذ حياة الحكّام من المؤامرات التي دبّرت ضدّهم، أي المؤمرات التي دبّرت بعد ظهور نتيجة الانتخابات وقيام الصياح على التزوير، ومن جهة أخرى يقول إنّه كان معلنًا الحرب على الحكومة. ولا تتّفق الحرب مع التأييد وإنقاذ الحياة. ولسنا ندري هل استعمل سيادته “محاربة الحكومة” خدعة لاكتشاف المؤمرات أم هل دفعته الشهامة إلى إنقاذ موقف الحكّام ليكتسب الصيت الحسن وليظلّ يتمكّن من التسلّي بمحاربة الحكومة.
وأمّا قوله إنّه أيّد المشروع اليهودي للاستيلاء على فلسطين ليقاوم التكتّل المحمّدي المزعوم الذي كان يريد المير عادل أرسلان وسماحة مفتي فلسطين وغيرهما إحداثه، فإنّه ينحر المنطق ويقيم مجدًا للخيانة القومية. إن التكتل الطائفي لا يحارب بتأييد قطع أهمّ قسم من جنوب سورية وجعله مركز دولة أجنبية تهدّد منه مصالح اللبنانيين وغيرهم.
إذا كان تصريح المطران مبارك صحيحًا، والأرجح أنّه كذلك، كان من أتعس مظاهر تدخّل رجال الدين في شؤون الأمّة السياسية”.