النزعة الفردية من أعظم الأمراض
من الأول رأينا أن النزعة الفردية والرأي النفعي الفردي الشخصي هما مرض من أعظم الأمراض، وصعوبة من أعظم الصعوبات الداخلية التي يجب أن نتغلب عليها لنواجه العالم الخارجي كوحدة متينة وإرادة واحدة. فواضح إذاً، كم هو صحيح هذا القول: “والنجاح الأخير يتوقف فعلاً، على إدراكنا قيمة هذه الحقيقة وعلى تطبيقنا رموز الحزب الأربعة التي تربطنا ربطاً لا يحل وهي: الحرية الواجب والنظام والقوة”.
وكذلك هام جداً أن نلاحظ هذا القول الهام: “إن إدراكنا حقيقة التغير الذي شرع الحزب السوري القومي الاجتماعي يحدثه في حياتنا القومية يجعلنا لا نغفل عن طبيعة التغيّر وما يصحبه من حوادث” أي إننا كنا ننتظر, وكنا ننتظر منذ البدء، أن هنالك حوادث ستحدث ضمن عملية التغير. إن أفراداً وجماعات ــ إن كتلاً كبيرة أحياناً ــ تقول” جيد، أعطونا الحرية لنؤيد هذا الحزب العامل لإعطائنا الحرية “.ولكنهم لا يفطنون الى أن للحرية في هذا الحزب مقياساً يختلف عن مقاييسهم.
إنهم يريدون أن يأتوا إلى الحرية بكل السلاسل والقيود التي يرسفون فيها. يريدون أن يأتوا إلى ساحة الحرية مكبلين، ولا يريدون أن يقطعوا هذه السلاسل التي اعتادوا رنينها حتى أنهم لا يتمكنون من النوم إلا على رنينها! إن الحرية عندنا، تعني تقطيع السلاسل وكسر القيود وأن نأبى الحزن على تقطيعها وتكسيرها والتخلص منها!.
وكنا ننتظر من البدء أن عملية التغير ستلاقي حوادث من داخل الحزب السوري القومي الاجتماعي ومن خارجه. مع ذلك ومع انتظارنا هذه الحوادث كنت مؤمناً بأن القومية الاجتماعية ستنتصر في الأخير. ولذلك قلت “إن السوريين القوميين الاجتماعيين، عموماً، يؤمنون بضرورة هذا التغير إيماناً تاماً، ويظهرون استعدادهم التام وعزمهم الأكيد على أن يحققوا انتصار مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي، مبتدئين كل واحد بنفسه”، أي أن يبتدئ كل واحد بالخير في نفسه فلا يعوقه عن السير في الحياة الجديدة، نحو مطالب الحياة الجديدة شيء. ومعنى هذا تولد القوة المجددة الصحيحة “التي تريد أن تتغلب على كل ما يقف في طريقها للخروج من حالة عفنة لا نظام فيها ولا قوة إلى حالة صحيحة عنوانها النظام وشعارها القوة”.
والنظام، في عرفنا، هو ما قلت وكررت أنه لا يعني الترتيبات الشكلية الخارجية، بل هو نظام الفكر والنهج، ثم نظام الأشكال التي تحقق الفكر والنهج.
النظام في عرفنا ليس مجرد تنظيم دوائر وصفوف. النظام شيء عميق جداً في الحياة. ولذلك قلت إن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو قوة ستغير وجه التاريخ.
المحاضرة الثانية
في 18 كانون الثاني 1948
أنطون سعاده